معضلة الشر: من حُجَّة ضد الإيمان إلى دليلٍ على ضعف الإلحاد

كم من مرة خضتُ نقاشاتٍ مطوّلة مع أصدقائي الملحدين حول قضايا الإيمان والفكر، وكان مدار كثيرٍ منها يدور حول «معضلة الشر»، لا سيما وأنني أتبنى مذهب الاعتزال القائم على الحسن والقبح العقلي، على خلاف بعض المذاهب الأخرى، كالأشاعرة، الذين لا يرون للشر قبحًا ذاتيًّا.

وكنتُ دائمًا في موضع المدافع عن هذه الرؤية، حتى قلتُ ذات مرة إن «معضلة الشر» تثقل كاهل الملحد أكثر مما تثقل كاهل المؤمن، فقوبلتُ باعتراضٍ غريب، إذ قيل لي: إن هذه المعضلة لا تلزم إلا من يؤمن بإلهٍ عاقل، قادر، رحيم، فكيف تُلقي بها على عاتق من لا يؤمن بوجود إله أصلًا؟

حينها، أردتُ أن أبيّن الأمر، مستعينًا بما قرأته من كتبٍ غربيةٍ في هذا المجال. وكان مما وقفتُ عليه مقالٌ بالغ الأهمية للفيلسوف الياباني-الأمريكي «يوجين ناغاساوا» (Yujin Nagasawa)، نُشر عام 2018 ضمن كتابٍ بعنوان The Problem of Evil: Eight Views in Dialogue، وهو المقال الذي يجعل «معضلة الشر» أكثر إلحاحًا على الملحدين منها على المؤمنين.

وهنا يثور سؤالٌ لا بد من طرحه: كيف لم يطّلع أحدٌ منهم على هذا الإشكال قط، رغم مرور سبع سنوات على نشره؟

لكن الأمر لم يتوقف عند هذا المقال، فقد مضى «ناغاساوا» قُدمًا في بحثه، وأصدر في نهاية العام الماضي كتابًا مستقلًّا يتناول هذه المسألة بعمقٍ أشمل، وليس مجرد فصلٍ ضمن كتاب.

وهذا هو رابط الكتاب لمن أراد الاطلاع عليه.1 وقد وددتُ ترجمة هذا الفصل إلى العربية، حتى تتيسر فكرته للملحدين، فيدركوا كيف يتفاعل الفكر الفلسفي الغربي مع هذه الإشكالية الكبرى.

وقبل أن أقدم ترجمة الفصل من الكتاب أريد ابتداءً التعريف بالكاتب

يُوجين ناغاساوا

يُوجين ناغاساوا (Yujin Nagasawa) هو فيلسوف ياباني-أمريكي بارز وُلد في 23 يونيو 1975 في طوكيو، اليابان. تلقّى تعليمه في جامعة ولاية نيويورك في ستوني بروك، حيث درس الفلسفة والرياضيات التطبيقية، ثم حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من الجامعة الوطنية الأسترالية عام 2004. بعد ذلك، شغل عدة مناصب أكاديمية مرموقة في أستراليا، وكندا، والمملكة المتحدة، بما في ذلك زمالة بحثية في جامعة ألبرتا وزمالة في مركز الفلسفة التطبيقية والأخلاقيات العامة بالجامعة الوطنية الأسترالية.

عمل ناغاساوا في جامعة برمنغهام بالمملكة المتحدة بين 2006 و2023، حيث كان أستاذًا للفلسفة الدينية (كرسي H.G. Wood)، وأحد مديري مركز برمنغهام للفلسفة الدينية. وفي عام 2023، انتقل إلى جامعة أوكلاهوما بالولايات المتحدة، حيث يشغل كرسي كلية كينغفيشر للفلسفة الدينية والأخلاقيات. تركز أبحاثه على موضوعات مثل الفلسفة الدينية (بما في ذلك وجود الله، مشكلة الشر، والعلاقة بين العلم والدين)، وفلسفة العقل (مثل الوعي الظاهري ومشكلة العقل والجسد)، بالإضافة إلى الفلسفة التطبيقية التي تشمل الأخلاقيات الطبية، ومعنى الحياة، والخلود.

ألّف ناغاساوا العديد من الكتب الهامة، منها «مشكلة الشر بالنسبة للملحدين» (2024)، و«الله الأقصى: دفاع جديد عن مفهوم الكائن الأسمى» (2017)، و«المعجزات: مقدمة قصيرة جدًا» (2017)، و«وجود الله: مقدمة فلسفية» (2011)، و«الله والوعي الظاهري» (2008). حصل على عدة جوائز تقديرًا لأعماله، مثل جائزة المقال الفلسفي من مجلة Philosophical Quarterly (2007)، وجائزة جون تمبلتون للوعد اللاهوتي (2008)، وجائزة التميز في فلسفة الدين (2010). يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير مجلة الدراسات الدينية الصادرة عن جامعة كامبريدج، ويحرر سلسلة «عناصر كامبريدج في الفلسفة الدينية العالمية».

النص المُترجَم2

لطالما اعتبر الملحدون أنَّ معضلةَ الشر أشدُّ سلاح يُشهر في وجه الإيمان، حتى إنَّ كثيرًا منهم قد أعرض عن الإيمان بوجود إله واتّخذ من الإلحادِ مذهبًا له، لاعتقادهم بأن الإيمانَ يعجز عن تقديم جوابٍ شافٍ لهذا الإشكال العويص. لكنني أزعم أنَّ مشكلةَ الشر ليست حكرًا على المؤمنين وحدِهم، بل إنها تمتد بظلالِها لتُشْكِلَ على الجميع، سواء أكانوا من أهل الإيمان أم من دعاة الإلحاد. ومن هذا المنطلق، سأكشف النقاب عن صورةٍ جديدةٍ لهذه المعضلة، أُطلق عليها اسم «مشكلة نظام الطبيعة الشرير» (the problem of systemic evil)، والتي تتخطى حدودَ العقائد الدينية لتطال كلا المعسكرين. وليس هذا فحسب، بل إنني أرى أنها أكثر وطأةً وإشكالًا وإلزامًا على الملحدين دون المؤمنين، إذ إنهم يعانون من قصور بَيِّن في معالجتها مقارنةً بالمؤمنين.

إشكال «نظام الطبيعة الشرير» على الملحدين

تسير الطبيعة وفق سنن الانتخاب الطبيعي، حيث يدور صراعٌ لا يهدأ من أجل البقاء. فمنذ ما يقرب من أربعة مليارات عام، خاضت أعداد لا تُحصى من الكائنات الحية غمارَ هذا الصراع، تتكالب وتتنافس، تتصارع وتتكابد في معركةٍ لا ترحم، يحكمها قانونٌ صارم لا مكان فيه للضعفاء. فمن لم تسعفه قوتُه، أُقصي وهَلك، ومن كُتب له البقاء، فإنما هو بقاء مؤقت، يؤول في خاتمته إلى الفناء، وغالبًا ما يكون فناءً مريرًا محفوفًا بالألم والعذاب. وهذه الحقيقة تُلقي بظلالها على الإيمان، إذ تثير تساؤلًا عميقًا: كيف لنظامٍ بيولوجيٍّ تحكمه القسوة والعذاب أن ينسجم مع وجود إلهٍ مطلق القدرة، كامل الرحمة، لا يتطرق إليه النقص في قدرته ورحمته؟ قد يحتجّ بعضُهم بأنَّ الطبيعة ليست محلًا للوصف بالخير أو الشر، إذ إن هاتين الصفتين لا تخصان إلا مَن كان ذا وعيٍ وإدراكٍ أخلاقي. بيد أنني أجد هذا الاعتراض هامشيًا لا يُغيّر جوهر القضية، إذ يمكنني إعادة صياغة هذه الإشكالية دون الحاجة إلى مصطلح «الشر». فيكفي أن نصف الطبيعة بأنها منظومةٌ تفيض بالألم والمعاناة الشديدة غير المرغوبة، دون أن نُضفي عليها حكمًا قيميًّا صريحًا. وليس استخدامي لمصطلحي «الخير» و«الشر» إلا لتيسير الفهم وتبسيط المسألة لا أكثر.

لم يكن القول بأن الألم والمعاناة الكامنين في الطبيعة يشكلان معضلةً أمام التصور الإيماني وليد اليوم، بل هو رأيٌ عتيقٌ طرقه العلماء والفلاسفة منذ أمدٍ بعيد. وليس أدلّ على ذلك من حيرة تشارلز داروين نفسه إزاء مشاهد القسوة التي تفيض بها الطبيعة، حين وضع نظريته في التطور. فقد أمعن النظر في هذه الإشكالية عند تأمله في فصيلة Ichneumonidae، وهي زمرةٌ من الدبابير الطفيلية تسلك في التهام فرائسها مسلكًا تقشعر له الأبدان. إذ لا تقتل هذه الدبابيُر ضحاياها من الجراد واليرقات، بل تشلّ حركتها وتبقيها على قيد الحياة، ثم تحملها إلى أعشاشها، فتودع في أجوافها بيضاتُها، حتى إذا ما فقست تلك البيضات، نهلت صغارُها من أجساد أمهاتها المشلولة وهي بعدُ في رمق الحياة! وهنا وقف داروين متحيرًا، متسائلًا: كيف يُعقل أن تتجلى مثل هذه القسوة في نظامٍ يُفترض أن يكون من صنع إلهٍ قديرٍ رحيم عادل؟ لقد أفضى بهذه الحيرة إلى آسا جراي (Asa Gray) في رسالةٍ خطّها بيده في الثاني والعشرين من مايو لعام 1860، جاء فيها قوله:

مع كامل الاحترام للجانب اللاهوتي في هذه المسألة، فإنه لطالما كان مثار ألمٍ لي.— لقد أعياني التفكير، واستبدّت بي الحيرة.— ولا أريد أن يفهم من كتابتي   أنني أميل إلى الإلحاد، ولكنني أقرّ بأنني لا أرى — كما يرى غيري من الناس، ولا حتى كما أتمنى أن أرى — دلائلَ القصد والحكمة والرحمة تحيط بنا من كل صوب. إذ أرى أن الشقاء في هذا العالم أوسع من أن يُتجاهل. ولا يسعني أنْ أصدِّق بأن إلهًا مطلق الرحمة، كامل القدرة، قد أوجد عمدًا فصيلةَ Ichneumonidae بقصد أن تتغذى يرقاتُها من أجساد فرائسها وهي بعدُ على قيد الحياة، أو أنْ يجعل القطةَ تلهو بفأرِها في مشهدٍ يُبدي القسوة واللارحمة بأوضح صورهما.

قد يزعم بعضهم أن الجراد واليرقات لا يدركان الألم، أو أنهما وإن أدركا الألم، فإن إحساسهما به لا يكاد يُذكر؛ إذ إن أجهزتهما العصبية والحسية لا ترقى إلى مستوى متقدم من الإدراك. ولكن حتى لو صحّ هذا القول، فإن سجل الطبيعة حافلٌ بصورٍ أخرى من القسوة التي تطال كائناتٍ ذات إحساسٍ وشعور. ولنا في المثال الذي أوردناه عن القطط والفئران خير دليل، إذ لطالما كانت هناك أعدادٌ لا تُحصى من الفئران التي نُهِشت ومُزّقت أوصالها، وعُذبت بأبشع الصور، وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة تحت أنياب القطط التي تتلهّى بها قبل أن تأتي عليها.

وقد أفصح داروين عن صدمته من هذه المشاهد في رسالةٍ سابقة وجّهها إلى ج. د. هوكر (J. D. Hooker) بتاريخ 13 يوليو 1856، إذ قال: «يا له من كتاب [يقصد الطبيعة] قد يخطّه الشيطان عن تلك الأعمال العرجاء، المسرفة، الخرقاء، والتي تبلغ من القسوة مبلغًا لا يُطاق!». ولا غرو في أن تُشَبَّه الطبيعة بقفصٍ ضيّقٍ جُمع فيه من الوحوش ما شاء الله لها أن تكون، فلا تكاد تمضي لحظة حتى يدبّ فيها القتال العنيف، ويتساقط الضحايا الواحد تلو الآخر، حتى لا يبقى سوى ثُلة قليلة ممن حالفهم الحظ بالنجاة.

وقد استقى داروين نظريته في التطور من فكر توماس مالتوس (Thomas Malthus)، الذي طرح في كتابه «مقالة حول مبدأ السكان» (1798) رؤيةً مفادها أن الجنس البشري لا يمكن أن يستمر في التزايد بلا قيد، إذ إن الطبيعة تضع حدًّا لهذا الانفجار السكاني عبر شح الموارد، فتندلع الحروب، وتتفشّى المجاعات، ويستشري الوباء، فينحسر العدد، ويبقى من كُتب له البقاء. وقد وسّع داروين هذا المفهوم ليشمل عالَم الأحياء بأسره، ليكشف بذلك عن صراعٍ محتدمٍ لا يكاد ينتهي، إلا ليبدأ من جديد.

لم يكن داروين وحده في نظرته إلى قسوة الطبيعة، بل وجد صدىً واسعًا بين العلماء المعاصرين الذين ساروا على دربه وأمعنوا النظر في مجاهل الطبيعة وتقلباتها. ومن ذلك ما قاله الفيلسوف هولمز رولستون الثالث (Holmes Rolston III)، إذ خطّ بمداد التأمل العميق وقال: «وإن لم يكن للطبيعة، في جُملتها، ذنبٌ يُؤخذ عليها، فإن فيها من أوجه الشر ما يستدعي التكفير والتعويض واللوم: من افتراسٍ لا يرحم، وطفيلياتٍ تتغذى على حساب غيرها، وأنانيةٍ غريزية، وعشوائيةٍ فوضوية، وعمًى عن الغاية، وكوارثَ تحلّ بلا تمييز، ولامبالاةٍ تُلقي بالبشر والكائنات إلى أقدارها، وإسرافٍ مهلك، وصراعٍ لا ينقطع، ومعاناةٍ لا تهدأ، ثم موتٍ يُطبق على الجميع.»

وفي السياق ذاته، صرّح ريتشارد دوكينز (Richard Dawkins)، وهو من أبرز المنافحين عن نظرية التطور في عصرنا الحالي، خلال مقابلةٍ أجراها معه فرانك ميلي (Frank Miele)، فقال:

الانتخاب الطبيعي يفرض سطوته، لكنه ليس إلا عمليةً موغلةً في القسوة. فهذه الطبيعة لا تعرف الرحمة، بل هي مسرحٌ يُدار بمخالب وأنيابٍ تقطر دمًا. ولكنني لا أريد أن أعيش في عالمٍ كهذا، بل أرنو إلى عالمٍ أُعيد تشكيله بحيث لا يبقى للانتخاب الطبيعي سلطةٌ عليه.

إن قول دوكينز بأنه لا يرغب في العيش في عالمٍ تحكمه سنن الانتخاب الطبيعي إنما هو تصريحٌ كاشف، يُجلّي لنا بغير لبسٍ قسوةَ الطبيعة وطبيعتها الصراعية المتوحشة. تخيّل، إن شئت، مجتمعًا لا يعرف من القوانين سوى قانون الغاب، حيث الصراع المحموم على الموارد لا يتوقف، وحيث البشر يتقاتلون بلا هوادة، يسطون على بعضهم البعض، ويزهقون الأرواح من أجل لقمة عيشٍ أو متاع. لا ينجو في هذا المجتمع إلا من ملك القوة الجسدية والأنانية المفرطة، فلا همّ له سوى بقاؤه، أما الضعفاء — من شيوخٍ أعجزهم الزمن، وفقراء أرهقهم الحرمان، ومعاقين أقعدتهم الظروف — فلا نصيب لهم في هذا السباق المحموم، ولا أمل لهم في النجاة. فهل يُعقل أن يكون هذا حال الطبيعة؟ بلى، إنها في حقيقتها لا تبعد كثيرًا عن هذا التصوّر، بل هي أسوأ من هذا بكثير؛ فهي ساحةٌ للصراع المحتدم، حيث البقاء للأقوى، والضعيف مصيره الاندثار.

قد يعترض قائلٌ بأن هذه الصورة مبالغ فيها، إذ لم يشهد التاريخ البشري، في أقسى فصوله، مثل هذا السباق الوحشي على البقاء. غير أن الحقيقة التي لا مراء فيها أن مليارات الكائنات الحية قد خاضت هذا الصراع، وستظل تخوضه ما دامت الحياة قائمة، وأن وجودنا نحن البشر مرهونٌ بهذه المنظومة القاسية. وإذ نظرنا إلى الأمر من زاويةٍ أرحب، تبيّن لنا أن الإنسان ليس سوى ثمرة تطورٍ امتدّ لدهورٍ مديدة، وكان محفوفًا بصراعاتٍ عنيفةٍ لا ترحم، تناحرت فيها الأجناس، وتصارعت فيها الكائنات، حتى آل الأمر إلينا، نحن أحفاد الناجين من ذلك النزاع الأزلي.

لقد مضى الفلاسفة المعاصرون، من أمثال كوينتن سميث (Quentin Smith) وبول درابر (Paul Draper)، إلى توظيف نظرية الانتخاب الطبيعي تلك في إقامة الأدلة على صحة الإلحاد، فيما تصدّى لهم نفرٌ من الفلاسفة المؤمنين، كترينت دوهيرتي (Trent Dougherty)، ومايكل ج. موراي (Michael J. Murray)، وكريستوفر ساوثغيت (Christopher Southgate)، ساعين إلى دحض مقولاتهم والردّ عليها. غير أنني أود أن ألفت الأنظار إلى مسألة جوهرية قلّما يُشار إليها في هذا السجال الفلسفي.

إن القسوة التي تجسّدها الطبيعة لا تُثير مشكلةَ الشر في صيغتها التقليدية فحسب، بل إنها تفتح بابًا لإشكاليةٍ أعظم وأعمق، تختلف عن سائر صورها المعهودة. إذ إن الجدل المعتاد حول مشكلة الشر ينحصر غالبًا في أحداث بعينها، تُصنّف على أنها شر محض، كالمجازر الكبرى (الهولوكوست، والإبادة الجماعية في رواندا)، والكوارث الطاغية (كتسونامي بجنوب شرق آسيا)، أو في أصنافٍ محددة من الحوادث المفجعة، كالحروب، والاغتيالات، والاعتداءات، والزلازل، والفيضانات. أما الإشكالية التي أطرحها هنا، فهي لا تقتصر على كون بعض الأحداث أو بعض أنواع الوقائع شريرة، بل تتعدى ذلك إلى التساؤل عن النظام البيولوجي ذاته، الذي تقوم عليه الطبيعة برمتها، فتجعل منه نظامًا متجذرًا في الشر من أساسه. ومن هذا المنطلق، أسميها «مشكلة نظام الطبيعة الشرير».

وإنما تزداد هذه المشكلة وطأةً وخطورةً على التصور الإيماني لأنها تتناول بنية الشر في جوهرها، لا مجرد تجلياته في أحداثٍ متفرقة. فإن كان فلسفة الدفاع عن العدالة الإلهية قد استطاعت، في مواضع عدة، أن تدحض حجج مشكلة الشر التقليدية، وتجد لها تفسيرًا يُسكّن العقول، فإن الشر المتأصل في صميم النظام الطبيعي يبقى قائمًا، لا تمحوه التأويلات، ولا تسقطه التبريرات.

التفاؤل الوجودي

فلندع جانبًا مشكلة نظام الطبيعة الشرير لبعض الوقت، ولنلتفت إلى ما أُطلق عليه «التفاؤل الوجودي». وهو المبدأ القائل بأن العالم، في مجمله، مكانٌ حسن، وأنه يليق بالمرء أن يغبط نفسه على وجوده فيه، وأن يكون ممتنًا لهذه النعمة العظمى.

وقد جاء في مستهلّ سفر التكوين أن الله، جلّ وعلا، بعد أن خلق الإنسان وسائر المخلوقات، نظر إلى صنعه، فرآه «حسنًا جدًا.» (التكوين 1:31) ولئن كان ما ذهب إليه لايبنتز (Leibniz) من أن هذا العالم هو «أفضل العوالم الممكنة» ضربًا من المبالغة، فإن معظم أهل الإيمان يُجمعون على أن الكون الذي نحيا فيه كونٌ جميل، قد نُسجت خيوطه بحكمةٍ وإتقان. وعلى ذلك، فإن مشاعر السرور والامتنان إنما تنبع من رؤية إيمانية راسخة، إذ لا يليق بمن أنعم الله عليه بالوجود إلا أن يُكبِر هذه النعمة ويحمد لها صانعها.

ولذا، حفلت نصوص الكتاب المقدس بأبلغ آيات الشكر والثناء للخالق، ومنها:

«احمدوا الرب، فإنه صالح، ولأن رحمته باقية إلى الأبد.»
(المزمور 118:1)

«شاكرين الله الآب كل حينٍ وفي كل شيء، باسم ربنا يسوع المسيح.»
(أفسس 5:20)

«كل عطيةٍ صالحة، وكل موهبةٍ تامة، إنما هي من لدن أبي الأنوار، الذي لا يعتريه تبدّلٌ ولا تحول.»
(يعقوب 1:17)

لطالما ردّد الفلاسفة المؤمنون أصداء هذه العبارات، واتخذوا من التفاؤل الوجودي مذهبًا لهم. فهم يرون أن الإنسان، إذ نال نعمة الوجود، فقد بات لزامًا عليه أن يحمد المنعم، ويشكر الخالق على ما أولاه من النعم، وما أسبغه عليه من العطايا. ومن ذلك ما ذهب إليه توماس ف. موريس (Thomas V. Morris) حين قال: «علينا واجبٌ مقدّسٌ أن نعبد الله ونشكره على ما أفاض علينا من خيرٍ وإحسان.»

وفي السياق ذاته، كتب روبرت ميريو آدامز (Robert Merrihew Adams) يقول: «الذين يعبدون الله لا يثنون عليه لمجرد عدله وحكمته في الخلق، وإنما يشكرونه على وجودهم، وكأنما هو عطاءٌ شخصيٌّ لم يكونوا ليستحقوه.». وأما ريتشارد سوينبرن (Richard Swinburne) فقد أوغل في تأكيد هذه الفكرة، حتى جعل العبادة واجبًا حتميًا، إذ قال: «العبادة ليست خيارًا، بل هي فرضٌ لازم، وهي الردّ الأمثل الذي يليق بالإنسان أن يقدّمه لخالقه.»

غير أن التفاؤل الوجودي ليس حكرًا على أهل الإيمان، بل هو مذهبٌ قد يجده الملحدون ملائمًا لهم أيضًا، إذ إنه لا يستوجب الإيمان بإله. بل إن الواقع يشهد أن أكثر الملحدين، رغم إنكارهم لوجود إله، يشاركون المؤمنين في نظرتهم المتفائلة إلى الوجود، ويرون في الحياة نعمةً تستحق الاحتفاء.

لطالما جُسّد الملحد في المخيال العام بصورةٍ كاريكاتورية، تُظهره في هيئة المتشائم الكئيب، الغارق في العدمية، المتلبّس بروح السخط على الحياة، كأنما هي عبثٌ لا طائل منه، أو بلاءٌ لا مهرب منه. ووفقًا لهذه الصورة النمطية، فإن الملحد لا يرى في الوجود سوى المادة المحسوسة، ولا يجد في حياته الفانية ما يستحق الفرح أو الامتنان. ولا شك أن في أوساط الملحدين من يوافق هذا التصوّر العدمي البائس، ومن ذلك ما ذهب إليه ديفيد بيناتار (David Benatar)، الذي يرى أن مجرّد المجيء إلى الوجود شرٌّ محض وضررٌ جسيم. حيث يقول:

إن كانت الأمور الحسنة في حياة الإنسان قد تجعل حياتَه أقلَ سوءًا مما كانت عليه، فإن من لم يُخلق أصلًا لا يمكن أن يُحرم من شيء. فالعدم لا يفتقد شيء، ولا يُنقص منه شيء. أما الوجود، فبمجرد أن يطرأ، فإنه يجرّ على صاحبه من الأهوال والمآسي ما لم يكن ليصيبه لو بقي في العدم.

ومن هذا التصوّر، يستخلص بيناتار نتيجةً مذهلة، إذ يرى أن الإنجاب فعلٌ لا أخلاقي، وأن العدد المثالي للبشر هو «صفر». بل يذهب إلى أبعد من ذلك، فيقول إنه، من منظورٍ عقلاني، إذا سُوِّيت العوامل جميعًا، فإن فناء البشرية عاجلًا والآن خيرٌ من فناءٍ مؤجّل بعد ذلك، إذ كلما كان الانقراض أسرع، كان ذلك أجدى وأنفع، ما دام الوجود لا يحمل في طياته إلا العناء والمكابدة!

بيد أن أولئك الذين يغرقون في التشاؤم والعدمية بين الملحدين قلةٌ لا يُعتد بها. بل إن ما أعلمه، عن دراسةٍ وتأمل، أن جلّ الملحدين، إن لم يكن أكثرهم، يرون أن للحياة من الطيبات ما يدعو إلى الابتهاج، وللوجود من النعم ما يستوجب الامتنان. فهم، وإن أنكَروا وجود الله أو الآخرة، فإنهم لا يرون في ذلك ما يمنعهم من الإحساس بالسعادة والرضا عن كونهم أحياء.

ومن هؤلاء بول كورتز (Paul Kurtz)، الفيلسوف الأمريكي الذي يُعدّ رائد الإنسانوية العلمانية المعاصرة، إذ يرى أن الإنسان قادرٌ على أن يحيا حياةً عامرةً بالسعادة والاكتمال، حتى مع اعتناقه للرؤية المادية للعالم. وكذلك الحال مع ريتشارد دوكينز، وهو أحد أبرز دعاة الإنسانوية العلمانية، الذي كثيرًا ما يعبر عن شعوره بالامتنان العميق لمجرد أنه كائنٌ حي، ولا سيما حين يتأمل في روائع الكون.

وقد قال دوكينز في مناظرةٍ جرت عام 2009 بعنوان «الإلحاد هو الأصولية الجديدة»، برعاية Intelligence Squared:

حين أستلقي على ظهري، وأرفع بصري إلى مجرة درب التبانة في ليلةٍ صافية، فتتراءى لي رحابة الكون وسرمدية الزمان، وحين أقف مشدوهًا أمام منظر منطقة «غراند كانيون»، متأملًا طبقاتها الجيولوجية التي تتعمّق في الماضي السحيق حتى تبلغ أزمانًا لا يكاد العقل البشري يحيط بها، يغمرني شعورٌ طاغٍ، يكاد يشبه العبادة … إنه إحساسٌ بالامتنان المجرّد، أنني موجودٌ هنا، قادرٌ على تذوق هذه العجائب. وحين أطيل النظر في عدسة المجهر، يملؤني ذات الشعور: أنني محظوظٌ بأن أكون حيًا لأشهد روعة هذا العالم.

وقد أورد ريتشارد دوكينز في محاضرته الشهيرة «أعظم عرض على وجه الأرض»، التي ألقاها في جامعة أوكلاند عام 2010، قوله:

لنا أن نشكر الصدفة العظيمة التي أتاحت لنا هذا الوجود غير المُحتَمل، ولنا أن نمجّد تلك السنن التطورية التي أفرزته بقوانينها الراسخة. غير أن هذا الامتنان ليس دينًا في عنق أحد، وليس له وجهةٌ يُرسل إليها.

كما عبّرت غريتا كريستينا (Greta Christina) عن شعورٍ مماثل بقولها:

أدرك، وبعمق، أن في حياتي من النعم ما لم أسعَ إليه، ولا كان لي فيه يد، وأعظم هذه النعم على الإطلاق هو وجودي ذاته. ويبدو لي أن الإعراض عن التعبير عن هذا الإدراك نوعٌ من الجحود، أو التعالي، أو الانشغال بالذات. لا يطيب لي أن أتعامل مع حسن حظي وكأنه أمرٌ مُستحَق بطبيعته. إنني أرى في الامتنان فضيلةً لا غنى عنها.

والأرجح أن تُفهم هذه العبارات على أنها إقرارٌ بروح التفاؤل الوجودي. ولئن عبّر دوكينز وكريستينا عن ذلك بصيغة المتكلم، فإن تفسير كلامهما ينبغي أن يكون أوسع من مجرد انطباع شخصي، وإلا فإن موقفهما سيكون أشبه بمن يقول: «أنا ممتنٌ وسعيد لوجودي، أما الآخرون فلا أهتم لأمرهم!» وذلك ضربٌ من التفاؤل الأناني، لا من التفاؤل الوجودي الشامل، الذي هو موقفٌ من العالم بأسره، لا مجرد انعكاسٍ لحالةٍ فردية شخصية.

أما الامتنان، فبينما يوجهه المؤمن إلى الله، يجد الملحد له سبيلاً آخر، فيصير هذا الامتنانُ في قلبه دهشةً وإعجابًا بروعة الكون، ووعيًا بندرة الوجود وفرادة التجربة الإنسانية. ولعل السؤال عن إمكان التعبير عن الامتنان دون افتراض كيانٍ موجَّه إليه هذا الشعور، كالإله، يكون جديرًا بالبحث، لكنه ليس محل النظر هنا. إنما الذي يعنينا هو أن التفاؤل الوجودي ليس حكرًا على أهل الإيمان، بل هو موقفٌ يتقاسمه معهم كثيرٌ من الملحدين، وإن اختلفت أسبابه ومساراته.

«نظام الطبيعة الشرير» بين المؤمنين والملحدين

آن لنا أن نُسقط ما سلف من الحديث عن التفاؤل الوجودي على مشكلة نظام الطبيعة الشرير، لنرى كيف يتداخل المفهومان ويتصارعان.

إن مشكلة نظام الطبيعة الشرير تبرز، بادئ الأمر، بوصفها معضلةً في وجه التصور الإيماني؛ إذ أن النظام البيولوجي، بما يقتضيه من ألمٍ ومعاناةٍ لا تُحصى لكائناتٍ حية تتطور وفق سنن الانتخاب الطبيعي، يبدو متعارضًا مع فكرة وجود إلهٍ كليّ القدرة، كامل الرحمة والعدل. ومن هنا يبرز السؤال الذي يلحّ على العقول: إن كان الله قادرًا على كل شيء، ورحيمًا بعباده إلى أقصى غاية، فكيف ارتضى أن يكون نظامُ خلقه مفعمًا بالعنف، مترعًا بالقسوة، غارقًا في الظلم؟

غير أن هذه الإشكالية لا تقتصر على أروقة الفكر الإيماني وحده، إذ يمكننا أن نعيد صياغتها من منظور التفاؤل الوجودي، فنطرحها للملحدين بمعزل عن الإيمان، ونسمّيها «مشكلة نظام الطبيعة الشرير». فلبّ المسألة يتجسد في التساؤل التالي: كيف يسوغ لنا أن نزعم أنَّ العالمَ، في مُجمله، عالمٌ حسن، وأنه حقيقٌ بنا أن نفرح بوجودنا فيه ونغبط أنفسنا عليه، إذا كان هذا الوجود ذاته مرتكزًا على نظامٍ بيولوجيٍّ وحشيّ، قاسٍ، جائر، لا يورث إلا الألم والمعاناة التي تطال أعدادًا لا حصر لها من الكائنات الحية الحساسة؟

وإنما تكمن فرادة هذه الإشكالية في أنها لا تُقحم الله في معادلتها، بل تقوم على صراعٍ جوهري بين نظام الطبيعة الشرير والتفاؤل الوجودي. وهذا يجعلها إشكاليةً لا تخص المؤمنين وحدهم، بل تمتد إلى أولئك الملحدين الذين يرفعون راية التفاؤل الوجودي، ويبشرون بجمال الحياة وخيرها.

ولعلنا نذكر قول دوكينز حين قال: «لدينا أسباب تدعونا إلى الامتنان لوجودنا هذا الذي هو صدفة نادرة جدًا، وللعمليات التطورية المنتظمة التي أفضت إليه.» ولكن إن كانت هذه «العمليات التطورية المنتظمة» لا تفضي إلا إلى مزيدٍ من الألم والمعاناة التي تلحق بالبشر وسائر الكائنات الحية، فكيف للملحدين المتفائلين، وعلى رأسهم دوكينز، أن يبرروا تفاؤلهم هذا، دون أن يقعوا في تناقضٍ صارخ؟

لنسبر غور مشكلة نظام الطبيعة الشرير ونحلل بنيتها تحليلًا دقيقًا. فإن جوهر الإشكال يكمن في هذا التناقض الظاهري بين أمرين لا يجتمعان:

  1. حقيقةٌ علميةٌ ثابتة، وهي أن وجودنا لم يكن ليكون لولا نظامٍ بيولوجيٍّ وحشيٍّ، قاسٍ، جائر، يحفل بالعنف والمعاناة، ويزهق الأرواح بغير هوادة.
  2. التفاؤل الوجودي، الذي يُشيع في النفوس الرضا، ويدعو إلى الابتهاج بالحياة والامتنان لهذا الوجود.

إن التمسك بـ(2) مع الإقرار بـ(1) يشبه تمامًا من يرقص فرحًا بوجوده، ويطلق الضحكات العريضة، وهو يدرك في قرارة نفسه أنه واقفٌ على جماجمٍ لا تحصى، وأشلاءِ كائناتٍ ناءت تحت وطأة العذاب، وكان هلاكها هو الثمن الذي أتاح له أن ينجو. فكم هو جسيمٌ ذلك الثمن الذي دُفع! وكم هو عظيمٌ ذاك الظلم الذي حاق بأولئك التعساء من بني الإنسان وسائر المخلوقات!

وقد يجد البعض في هذه الإشكالية صدى لـ «فارقة الاعتذار» apology paradox التي أثارتها الفيلسوفة جانا طومسون (Janna Thompson) في سياقٍ مختلف. إذ طرحت طومسون هذه المفارقة بوصفها معضلةً أخلاقيةً لمن يودّ أن يعبّر عن أسفه العميق، بل وربما يقدّم اعتذارًا صريحًا عن جرائمٍ تاريخية كالعبودية، والاستيلاء على أراضي الشعوب الأصلية، وهو في الوقت نفسه يعلم علم اليقين أنه ينعم بمزايا هذه الجرائم ذاتها.

تأمل، على سبيل المثال، فيمن وُلد لجدّين التقيا في بولندا إبان الحرب العالمية الثانية. فلنفترض أن ظروف زمانهما ومكانهما ما كانت لتسمح لهما باللقاء، لولا وقوع الهولوكوست. وهذا يعني أن وجود حفيدهما مرهونٌ، من حيث السببية، بتلك الكارثة المروعة. ومع ذلك، فهو ينظر إلى الهولوكوست على أنه جريمةٌ شنيعةٌ لا ينبغي لها أن تكون قد حدثت مطلقًا. بل لو كان زعيمًا سياسيًا، لعله لم يكتفِ بمجرد الأسف، بل بادر إلى تقديم اعتذارٍ رسميٍّ عن تلك الفظائع. لكنه، في الوقت ذاته، يجد في أعماقه سعادةً لا شك فيها بكونه حيًّا. فكيف يوفّق بين هذا وذاك؟ كيف له أن يندد بجريمةٍ، وهو يعلم أنه لم يكن ليكون في هذا العالم لولاها؟

وهكذا نجد أن مشكلة نظام الطبيعة الشرير، كحال «مفارقة الاعتذار»، تُسائِل التوافقَ المنطقي بين الاعتراف بالجريمة أو المأساة من جهة، والشعور بالسعادة والامتنان من جهة أخرى، فتجعل الجمع بين الأمرين ضربًا من التناقض العسير! ومع ذلك، فإن للمتأمل أن يدرك أن مشكلة نظام الطبيعة الشرير ليست مجرد نسخةٍ أخرى من مفارقة الاعتذار، بل إنها أشدُّ وقعًا، وأعمق غورًا، وأشد وطأةً في التحدي مما تطرحه تلك المفارقة.

  • أولًا: إن مفارقة الاعتذار، كحال مشكلة الشر التقليدية، تنحصر في أحداثٍ تاريخيةٍ بعينها، كالمجازر الكبرى، والإبادات الجماعية، ونحوها من الفظائع التي يراها العقلاء شرًّا محضًا، بينما تتجاوز مشكلةُ نظام الطبيعة الشرير هذا النطاقَ المحدود لتطال النظام البيولوجي برمّته، وعلى رأسه الانتخاب الطبيعي، الذي يبدو كأنه منظومةٌ قاسيةٌ مجحفةٌ متأصلةٌ في الظلم والعذاب. ومن نافلة القول أن النظام الذي يُنتج الأحداث أعمقُ أثرًا وأشدّ خطورةً من الأحداث ذاتها.
  • ثانيًا: إن مفارقة الاعتذار تقوم على رابطٍ سببيٍّ كافٍ بين حدثٍ معينٍ ووجودنا، أي أن هذا الحدث كان مجرد شرطٍ مؤدٍّ إلى وجودنا، لا أكثر. أما مشكلة نظام الطبيعة الشرير، فتقوم على رابطٍ ضروريٍّ وفق القوانين الطبيعية بين هذا النظام البيولوجي ووجودنا، أي أنه لا يمكن للحياة أن توجد أصلًا دون هذا النظام القاسي. ومن المعلوم أن الضرورة الطبيعية أو الفيزيائية أقوى في هذا الأمر من مجرد الكفاية السببية، إذ إن الأولى تحتم الأمر ولا تجعله مجرد احتمال. (وسأعود إلى بسط هذه الفكرة لاحقًا).
  • ثالثًا: تنحصر مفارقة الاعتذار في مظالمَ تاريخيةٍ كان للإنسان يدٌ في وقوعها، أما مشكلة نظام الطبيعة الشرير، فمحورها نظامٌ بيولوجيٌّ لم يكن للإنسان أن يُنشئه أو يوجده، بل هو متأصلٌ في نواميس الكون ذاته.
  • رابعًا: تتعلق مفارقة الاعتذار بوجود أفرادٍ بعينهم، أي بمن تصادف أنهم أحفادٌ لأولئك الذين نجوا من أحداث الماضي، أما مشكلة نظام الطبيعة الشرير، فتتناول بقاء البشرية جمعاء، ووجود العالم ككل.

وإن أردنا أن نختبر مدى الفرق بين هاتين الإشكاليتين، فحسبنا أن نُسقط الحل الذي طرحته جانا طومسون لمفارقة الاعتذار على مشكلة نظام الطبيعة الشرير، لندرك أنها أوسع نطاقًا، وأعمق جذورًا، وأعصى على الحلول السطحية.

فقد صاغت طومسون «أفضل حل» لمفارقة الاعتذار قائلةً:

إن كثيرًا من الناس يشعرون بعدم الارتياح، بل وربما بتأنيب الضمير، حين يدركون أنهم يجنون ثمارًا نضجت على أغصان الظلم، رغم أنهم لم يكونوا سببًا في وقوعه. فهم يتحسرون على أن النِّعَم التي بين أيديهم إنما آلت إليهم عبر دروبٍ شائكةٍ من المآسي والمظالم. إنهم لا يأسفون على وجود هذه النِّعَم، ولكنهم يتحسرون على الطريقة التي كُتِب لها أن تصل إليهم. ويمكن النظر إلى الاعتذار في هذا السياق على أنه تعبيرٌ عن هذا الأسف العميق. وبهذا المعنى، فإنه ليس اعتذارًا مباشرًا عن أفعال الأسلاف، ولا إنكارًا لوقوعها، بل هو اعتذارٌ عن كون وجودنا وما ننعم به من خيرات، مدينٌ لتلك الأفعال التي لطالما تمنينا لو أن الحياة سارت في مسارٍ لم يكن فيها لوجودنا ارتباطٌ بمثل تلك الفظائع.

ولكن، تُرى، هل يمكن لمثل هذا الحل أن يسعفنا أمام مشكلة نظام الطبيعة الشرير؟ أم أن الشر هنا متأصلٌ في نسيج الحياة ذاتها، لا مجرد انحرافٍ تاريخيٍّ يمكن التأسف عليه؟

خلاصة ما ترمي إليه جانا طومسون أن الإنسان يستطيع، من غير تناقض، أن يكون مغتبطًا بوجوده، ومع ذلك يبدي ندمه أو اعتذاره على وقوع مظلمةٍ تاريخيةٍ كان لها صلةٌ سببيةٌ بمجيئه إلى الحياة، وذلك لأنه منسجمٌ عقليًا أن يتمنى أن يكون هذا الوجود قد تحقق عبر سببٍ آخر، لا يتلطخ بدماء المظالم والآثام.

ويمكننا أن نستوضح هذه المسألة عبر عدسة نظرية العوالم الممكنة أو المتعددة. إذ تقوم مفارقة الاعتذار على الفرض التالي:

(1) لو لم يحدث حدثٌ تاريخيٌّ معينٌ — كالهولوكوست، مثلًا — لما كنا موجودين اليوم.

لكن وفق منطق العوالم الممكنة، فإن هذا الفرض لا يستلزم التالي:

(2) ليس هناك عالمٌ ممكنٌ لم يقع فيه الهولوكوست ومع ذلك نحن موجودون فيه.

بل إن العبارة (1) تستلزم في الحقيقة ما يلي:

(3) في أقرب عالمٍ ممكنٍ إلى عالمنا لم يقع فيه الهولوكوست، نحن غير موجودين.

وهذا لا يتناقض مع العبارة التالية:

(4) هناك عالمٌ ممكنٌ لم يقع فيه الهولوكوست، ومع ذلك نحن موجودون فيه.

وقد يكون هذا العالم مختلفًا جذريًا عن عالمنا الحالي، إذ إنه ليس أقرب العوالم الممكنة إلى واقعنا، إلا أنه لا يزال ممكنًا في نطاق العقل والمنطق. ومن هنا، فإن اتساق (1) (أو نظيره (3)) مع (4) يُوضح أنه يمكننا، من غير تعارض، أن نأسف على وقوع الهولوكوست، وفي الوقت نفسه نتمنى لو أن وجودنا قد تحقق عبر طريقٍ آخر، لا يمرّ بهذه الفاجعة التاريخية.

وبناءً على ذلك، ترى طومسون أننا، حينما نتمنى لو لم يقع الهولوكوست قطّ، مع بقاءنا متمسكين بالتفاؤل الوجودي، فإننا في واقع الأمر نعبر عن رغبتنا في عالمٍ بديلٍ أقرب إلى (4)، حيث لم يكن وجودنا مشروطًا بمثل هذه المآسي.

إلا أنني أذهب إلى القول بأن رد طومسون على مفارقة الاعتذار لا يسري على مشكلة نظام الطبيعة الشرير، بل إن هذا الاختلاف إنما يكشف لنا عن عمق هذه المعضلة وقوة الإشكال الذي تطرحه.

إذ تقوم مشكلة نظام الطبيعة الشرير على الفرض التالي:

(1ʹ) لو لم يكن الانتقاء الطبيعي هو المبدأ الذي يحكم الطبيعة، لما كنا لنوجد.

غير أن هذا لا يقتضي بالضرورة ما يلي:

(2ʹ) ليس هناك عالمٌ ممكنٌ لا تسوده قوانين الانتخاب الطبيعي ومع ذلك نحن موجودون فيه.

بل إن (1ʹ) تستلزم العبارة التالية:

(3ʹ) في أقرب عالمٍ ممكنٍ إلى عالمنا الفعلي لا يخضع للانتخاب الطبيعي، نحن غير موجودين.

وهذا لا يتعارض مع القول التالي:

(4ʹ) هناك عالمٌ ممكنٌ لا يسوده الانتخاب الطبيعي، ومع ذلك نحن موجودون فيه.

إلا أن العالم المشار إليه في (4ʹ) يختلف اختلافًا جذريًا عن عالمنا الفعلي، وذلك لأن قوانين الطبيعة التي تحكمه ستكون مختلفة تمامًا عن تلك التي تسود عالمنا. إن التمني بأن تكون قوانين الطبيعة مختلفة تمامًا ليس كالتمني بإزالة ظلمٍ تاريخيٍّ وقع في نطاق هذه القوانين، بل هو أكثر جذريةً وأعمق تأثيرًا، إذ إنه يقوّض أساس التفاؤل الوجودي ذاته، الذي يفترض أن العالم، في جوهره، عالمٌ حسنٌ يستحق الامتنان.

لكن، تُرى، ما هو ذاك العالم الذي نوجد فيه دون أن يكون للانتخاب الطبيعي يدٌ في وجودنا؟ لعلّه عالمٌ نكون فيه كائناتٍ قائمةً على السيليكون، صُنعت بيد عقلٍ مدبّرٍ أعلى، أو عالمٌ نحيا فيه كأرواحٍ لا تخضع لأي تطورٍ بيولوجي. ولكن مجرد التمني بأن يكون هذا العالم هو عالمنا الفعلي، والرغبة في العيش فيه بدلًا من عالمنا، إنما هي في حقيقتها اعترافٌ بأن عالمنا هذا ليس حسنًا، ولا يستحق أن نكون سعداء وممتنين لوجودنا فيه.

عيب الإلحاد

إن مفارقة الاعتذار تُطلّ برأسها حتى لو كنتُ وحدي في هذا الوجود مَن يشعر بالسعادة، إذ تطرح السؤال التالي: كيف لي أن أعبّر عن فرحي بالحياة، وأنا في ذات اللحظة أقرّ بأن وجودي ما كان ليكون لولا ظلمٍ تاريخيٍّ فادح، أرى أنه ما كان ينبغي أن يقع أبدًا؟

أما التفاؤل الوجودي، الذي أفضى بنا إلى مشكلة قانون الطبيعة الشرير، فلا ينحصر في نطاق الفرد، بل ينصبّ على العالم والإنسانية جمعاء.

ولا يُقال في التفاؤل الوجودي إن العالم بأسره مفعمٌ بالخير الخالص، ولا إن كل إنسان فيه يعيش حياةً سعيدةً تستوجب الحمد والشكر، بل إنه يعترف بوجود جوانب قاتمة، وأناسٍ أرهقتهم الحياة، فلا يسوغ مطالبتهم بالابتهاج والامتنان. غير أن جوهره يقوم على الفكرة التالية: رغم كل شيء، فإن العالم، في مجموعه، عالمٌ حسن، يليق بنا أن نبتهج بوجودنا فيه، ونشكر الأقدار التي أوجدتنا في رحابه.

تخيّل أن الأشياء الإيجابية في العالم تُطلى بلونٍ أصفرٍ مشرق، بينما تُصبغ الأشياء السلبية بالرمادي القاتم. يرى التفاؤل الوجودي أن ثمة مناطق في العالم وحيواتٍ فردية يغلب عليها اللون الرمادي، لكنها، في المحصلة الكبرى، لا تطغى على اللوحة الكاملة، التي تتشح، في مجملها، بلونٍ أصفر يوحي بالخير والفرح.

لكن، ماذا لو كان هذا التصور مجرد وهمٍ بصري؟ ماذا لو كان اللون الأصفر الذي نراه ليس إلا قشرةً رقيقة، تخفي تحتها عالمًا غارقًا في الرمادي؟

إن وجود قانون الانتخاب الطبيعي ينسف هذا التصور المتفائل، إذ يكشف لنا أن الأساس الذي يقوم عليه الوجود ليس لوحةً يغلب فيها الأصفر، بل هو في حقيقته امتدادٌ شاسعٌ من الرمادي، تحكمه قوانين الصراع والافتراس والمعاناة.

إننا، إذا ما قشّرنا الطبقة الصفراء السطحية، سنجد تحتها واقعًا أشد قسوة، وأبعد عن الوهم الذي ظنناه. فالعالم الذي حسبناه مفعمًا بالجمال والخير، قد يكون أكثر ظلمةً واضطرابًا مما أراد لنا التفاؤل أن نصدّق!

قد بيّنتُ فيما سبق أن مشكلة قانون الطبيعة الشرير لا تخصّ أهل الإيمان وحدهم، بل تمتدّ لتشمل الملحدين كذلك، وذلك لأن التفاؤل الوجودي لا يتوقف على الإيمان بالله، بل هو موقفٌ فكريٌّ مستقلٌّ بذاته. وعليه، فإن مشكلة الشر لم تعد سيفًا مشهرًا في وجه المؤمنين فقط، بل هي إشكاليةٌ يمكن أن تطال الملحدين أيضًا بل طالتهم بالفعل.

غير أن اللافت للنظر ليس مجرد كون هذه المشكلة تُطرح ضد الفريقين معًا، بل إن الأمر الأشد إثارةً هو أن المؤمنين في موقفٍ أقوى وأقدر على تقديم إجابةٍ عنها مقارنةً بالملحدين.

ذلك أن الملحدين، في أغلبهم، يقصرون وجودهم على العالم المادي، ويعتبرونه كل ما هنالك، مما يجعل أفق رؤيتهم الوجودية محدودًا وضيقًا. أما المؤمنون، فشأنهم في ذلك أرحب، إذ إنهم لا يحصرون الوجود في نطاق المادة وحدها، بل يعتقدون بوجود إلهٍ متعالٍ غير مادي، وحياةٍ أخرى لا تنتهي عند حدود هذا الكون الدنيوي. وبذلك، فإن مجال رؤيتهم للوجود يتسع اتساعًا هائلًا، بل وربما إلى ما لا نهاية، في حين أن الملحد يقف عند حدود المحسوس، فلا يرى خلفه شيئًا.

إذا كان جزءٌ عظيمٌ من هذا الكون المادي، وجزءٌ واسعٌ من الحياة فيه، مطليًا باللون الرمادي القاتم، فإن الملحد لن يكون أمامه سوى الإقرار بأن التفاؤل الوجودي كان محض وهم، إذ كيف يُقال إن العالم مطليٌّ بالأصفر بينما هو في الحقيقة تسوده ظلالٌ من الرمادي الكئيب؟

أما المؤمن، الذي يرى في الكون المادي مجرد شطرٍ ضئيلٍ من الوجود، لا مجمل الحقيقة، فإنه لا يزال قادرًا على أن يؤمن بأن الحياة، في جوهرها، عامرةٌ بالخير، وأن الصورة الكبرى يغلب عليها اللون الأصفر، حتى لو كان بعض أجزائها مكسوًا بالرمادي.

فالعالم عند المؤمن ليس لوحةً محصورةً في إطار المادة، بل هو مشهدٌ ممتدٌّ إلى عوالم أخرى، تتجاوز حدود الفناء، حيث يتم استيفاء العدل، وينقشع الرمادي عن الصورة الكبرى، لتتجلّى في أبهى ألوانها.

فلنزد هذه المسألة وضوحًا، ولنشدّد أركانها بالاستناد إلى أبرز الردود الإيمانية على مشكلة الشر التقليدية، التي طالما نُصبت سيفًا في وجه الإيمان.

فمن هذه الردود، حُجة تهذيب النفس، التي تقرّ بأن المعاناة والمكابدة ليستا مناقضتين لحكمة الله، بل هما جزءٌ لا يتجزأ من مسيرة التهذيب الروحي. فالبشر، في رحلتهم الوجودية، يخوضون اختباراتٍ تصقل أرواحهم، وترتقي بهم إلى مراتب الكمال. وحتى أولئك الذين تنتهي أعمارهم في سنٍّ مبكرة لا يُحرَمون من هذا التهذيب، لأن الحياة لا تنتهي عند حدود هذا العالم، بل قد تكون هناك حياةٌ أخرى، أو إعادةٌ للوجود في صورةٍ أخرى.

أما الرد الإيماني الثاني المتشكك، فإنه يعزو معضلة الشر إلى قصور الإدراك البشري. فكوننا لا ندرك الحكمة الكامنة وراء وجود الألم، لا يعني أن هذه الحكمة غير موجودة. بل إن الله، بحكمته اللامتناهية، يرى ما لا نراه، ويدرك من بواطن الأمور ما تعجز عنه عقولنا القاصرة.

ثم تأتي مارلين مكورد آدامز (Marilyn McCord Adams)، التي تطرح منظورًا أكثر عمقًا، إذ ترى أن القرب من الله كفيلٌ بأن يبتلع الشر ابتلاعًا، ويقضي عليه قضاءً تامًا، فلا يبقى في النفس أثرٌ للشك، ولا داعٍ للارتياب في جدوى الحياة . فإن الله، وفقًا لمفهومها، «يهزم» الشر، حتى وإن ظلت علل وجوده مجهولةً للبشر.

هذه الردود، مع بعض التعديلات، يمكن أن تصلح للرد على مشكلة قانون الطبيعة الشرير، وتمنح المؤمنين عدة سبلٍ لتفنيدها أو التقليل من وطأتها. فحتى لو كان جزءٌ كبيرٌ من العالم مطليًا بالسواد القاتم، فإن للمؤمنين من الوسائل ما يتيح لهم إثبات أن الصورة الكبرى لا تزال مشرقةً، يغلب عليها اللون الأصفر.

أما الملحدون، فلا حيلة لهم أمام هذه المشكلة، إذ إن تصورهم الوجودي ينحصر في نطاق المادة، فلا يجدون فيه فسحةً يتنفسون فيها الأمل، أو أفقًا يمتد إلى ما وراء عالم الصراع والمعاناة.

بل إن أي حجةٍ قد يسوقها الملحدون للتخفيف من هذه المشكلة، فإن المؤمنين قادرون على تبنيها أيضًا، لأن تصورهم للعالم يشمل المادة وما وراءها.

لستُ هنا بصدد القول إن هذه الردود كفيلةٌ بحلّ مشكلة قانون الطبيعة الشرير حلًا قاطعًا، فذلك شأنٌ آخر. لكن الذي لا جدال فيه هو أن المؤمنين، بحكم سعة نظرتهم الوجودية، أكثر قدرةً على التعامل مع هذه المشكلة من الملحدين.

إذ إنهم، في ردودهم، لا يقتصرون على العالم المادي، بل يبسطون أيديهم إلى عوالم أخرى، تتجاوز حدود المادة، وتفتح أمامهم أبوابًا من الحلول لا سبيل للملحدين إليها.

ليس من المغالاة إذًا القول إن مشكلة قانون الطبيعة الشرير ليست مجرد مأزقٍ فكريٍّ يُواجه المؤمنين، بل هي مأزقٌ أشد إلزامًا وأصعب مخرجًا للملحدين أنفسهم!

الخاتمة

لقد سعيتُ، في هذا المقال، إلى إقامة الحجة على أربع مسائل جوهرية، هي:

  • أولًا: أن مشكلة نظام الطبيعة الشرير، التي تنظر في النظام البيولوجي بأسره، بوصفه كيانًا يحكمه الألم والمعاناة، أشد وقعًا وأقوى حجةً من مشكلة الشر التقليدية، التي تقتصر على أحداث متفرقة أو أصناف محددة من المآسي.
  • ثانيًا: أن التفاؤل الوجودي — الذي يرى أن العالم، في مجموعه، عالمٌ حسنٌ يستحق أن نبتهج بوجودنا فيه — ليس حكرًا على المؤمنين، بل يشاركهم فيه الملحدون أيضًا.
  • ثالثًا: أن مشكلة نظام الطبيعة الشرير، التي تأخذ التفاؤل الوجودي في حسبانها، لا تُطرح على المؤمنين وحدهم، بل تطرق أبواب الملحدين أيضًا، فتضعهم أمام مأزقٍ لا يقل خطورةً عن مأزق المؤمنين.
  • رابعًا: أن الملحد، في معترك هذه المشكلة، أعجزُ حيلةً وأضيقُ سبيلًا من المؤمن، إذ إن رؤيته الوجودية لا تمتد إلى ما وراء المادة، وليس لديه ما يستند إليه خارج حدود الكون المادي للخروج من هذا المأزق.

لقد اعتدنا أن ننظر إلى مشكلة الشر بوصفها سلاحًا يشهره الملحد في وجه الإيمان، ودليلًا يُستند إليه في هجر العقيدة. لكن، إن صح ما قدمتُه من تحليل، فلعلّ الأمر على النقيض تمامًا. إذ يبدو أن معضلة الشر التقليدية، أو حتى مشكلة القانون الشرير للطبيعة، تقدم حجةً وجيهةً للتخلي عن الإلحاد، وحافزًا لاعتماد الإيمان بالله.

Facebook
Twitter
LinkedIn