مناظرة في حد الردة والنفعية

هذه مناظرة تمت بيني وبين ماجد (مفتي الإنسانية) حول حد الردة من منظور نفعي.

والحق أقول إن السبب في هذه المناظرة هو أن أسلوب ماجد لا يعجبني، فهو يعتمد كثيرًا على غباء وسذاجة مخالفيه، فهو يحاول تصيد أي شخص في برنامج التيك توك، ويتحدث معه عن الإسلام وعن حد الردة وغيرها من المسائل الدينية. وكثير جدً — إن لم يكن الغالبية العظمى— من الشباب والفتيات، إنما يدخلون هذا البرنامج للترفيه والغناء والضحك، وأقصى طموحاتهم أن يروا فتاةً ترقص أو مشهدًا مثيرًا.

وكان ماجد دائمًا ما يتصيد هؤلاء المساكين، ويحرجهم بكثير من الأسئلة الدينية حول الإيمان والإلحاد وحد الردة على سبيل الخصوص، حتى أن بعضهم لم يستطع الجواب وسمعنا صوته وهو مختنق من الإحراج والخجل. فأردت فقط أن أتحدث في نفس الموضوع الذي يحسنه ماجد، وأن أناقشه هو فيما يناقش فيه غيره. حتى أذيقه من نفس الكأس الذي أذاقه للناس.

أخيرًا، أجد من الضروري أن أوضّح موقفي بجلاء:
لستُ مقتنعًا بحدّ الردة، ولا أراه جزءًا من جوهر الإسلام ولا من رسالته الأخلاقية. فالدين، في نظري، ليس مشروعًا لإكراه الناس على الإيمان، بل هو دعوة تقوم على حرية الضمير، وكرامة الاختيار.

غير أن جوهر هذه المناظرة لم يكن إثبات الحدّ أو نفيه من منظورٍ دينيٍّ، بل اختبار الاتساق الفلسفي في الموقف النفعي الذي يتبنّاه ماجد. فالفلسفة النفعية — كما صاغها «جيرمي بنتام» و«جون ستيوارت مل» — تقوم على مبدأ بسيط: أن الفعل الأخلاقي هو ما يزيد مجموع السعادة أو المنفعة العامة، بغضّ النظر عن مصدره أو طبيعته.
وبناءً على هذا الأساس، فإنّ الاعتراض على «حدّ الردة» لا يمكن أن يكون اعتراضًا من داخل الإطار النفعي، بل اعتراضًا على نتائجه العملية أو على ما يُظنّ أنه لا يحقق المصلحة العامة.

وهنا يكمن التناقض الذي أردتُ إبرازه:
إنّ من يرفض الحدّ باسم النفعية، يجب أولًا أن يُبيّن أن تطبيقه لا يحقق أي منفعة اجتماعية أو إنسانية — لا أن يرفضه بدافع عاطفيٍّ أو شخصي.
أما إن سلّم — كما يفعل ماجد — بأن المعيار الأخلاقي هو المنفعة وحدها، فسيكون عليه أن يقبل منطقيًا بإمكانية تبرير أي فعلٍ — مهما كان قاسيًا — إذا ثبت أن له «منفعة عامة» في نظر المجتمع.

إذن، لم يكن مقصدي من هذه المناظرة الدفاع عن حد الردة، فهذا موقف لا أتبناه، بل كان الهدف هو إلزام ماجد بلوازم موقفه الفكري ونظريته الأخلاقية، وإظهار أن كثيرًا من اعتراضاته لا تنبع من فهمٍ فلسفيٍّ حقيقي، بل من تناقضٍ بين ما يعلن من مبادئ، وما يتبنّاه في التطبيق.
فإمّا أن يعيد النظر في أسسه النظرية،
وإمّا أن يقرّ بأن موقفه من حدّ الردة ليس نفعيًا ولا عقلانيًا، بل موقفٌ وجدانيٌّ يتناقض مع أفكاره ومسلماته الأخلاقية.

فإلى جميع الذين ناقشهم ماجد، أهدي هذا الحوار.

 

Facebook
Twitter
LinkedIn